ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين بدأ غريباً وسيعودغريباً كما بدأ ومن مظاهر الغربة عودة بعض مظاهر الجاهلية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها غريباً .
ولعلي أذكر أبرز مظاهر الشرك المعاصرة وهي على سبيل الإجمال :
1. أظهرها وأشهرها دعاء الأموات والغائبين والاستغاثة بهم لكشف الضر أو طلب النفع وقضاء الحاجات كطلبهم شفاء المرضى والتوسعة في الرزق ونحو ذلك ، والله سبحانه قد عد هذا من أجلى صور الشرك والكفر والخروج من ملة الإسلام فقال سبحانه:]ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك من الظالمين [ يونس [106] وبين الظلم في الآية الأخرى فقال :]إن الشرك لظلم عظيم[ق [13].
2. التبرك والتمسح على عتبات القبور والأضرحة وبعض الأحجار والأشجار وهذا شرك لأنه يعتقد النفع بهذه الجمادات التي لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً فضلاً عن أن تملك لغيرها ذلك ، والرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على أصحابه الذين كانوا حديثي العهد بالكفر وفي بداية إسلامهم لما قالواله: (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط) وهي شجرة كان المشركون يعلقون عليها أسلحتهم رجاء بركتها فظن من جهل خطورة هذا الفعل أنه جائز فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً حكم هذا الفعل: (سبحان الله هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم) ([1]) فعد هذا الفعل كمن يعبد غير الله وهو كفر لاشك فيه.
3. الذبح لغير الله للجن والأولياء وعلى عتبات القبور والله عز وجل قد أمر أن تكون كل العبادات له ومنها الذبائح والنسك فقال :]قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين[ الأنعام [163] والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله من ذبح لغير الله ).
4. الحكم بغير ما أنزل الله وهو نوع من أنواع الشرك لأن التحاكم نوع من العبادات التي لا تصرف إلا لله كما قال جل وعلا :]إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه[ يوسف[40] فعدّ الحكم عبادة ، وقال في الآية الأخرى :]ولا يشرك في حكمه أحداً[ الكهف [26] ، والتشريع حق خالص لله فمن شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله فهو مشرك في الربوبية والألوهية وهو من أغلظ أنواع الشرك والعياذ بالله .
5. الغلو في الصالحين أو في الأئمة المتبوعين واعتقاد العصمة لهم وإعطاؤهم بعض خصائص الرب كمن يعتقد في بعض الأولياء أنه يتصرف في الكون كما يقول بعضهم: ( يا عبد القادر يا جيلاني يا مصرف في الأكواني( وكما يعتقد بعض الجهلة في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون وهذا كله كفر بالله ومشاركة للمخلوق في خصائص الخالق .
6. الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله ) ([2]) ومن مظاهر الغلو فيه :
أ- دعاؤه والاستغاثة به كمن يقول يارسول الله اغثني واكشف كربتي ونحو ذلك ) كما يفعل بعض الجهلة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبوية .
ب- اعتقاد أنه يتصرف في الكون وأنه يعلم الغيب بعد موته كما يقول صاحب البردة :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذبه سواك عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
ت- رواية الأحاديث الموضوعة المكذوبة في حقه لتبرير وتجويز الغلو فيه كالتوسل به وبجاهه وهي بدعة منكرة ويروون في ذلك قوله :
( توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ) وغيرها من المكذوبات عليه صلى الله عليه وسلم.
ث- إقامة بدعة ما يسمى بالمولد النبوى بمناسبة مولده الشريف كل سنة والصلاة عليه وذكر سيرته ولاشك أن الصلاة عليه وذكر سيرته مشروعة طول السنة وليست مقصورة في يوم واحد ، والمولد باطل شرعاً وعقلاً وفطرةً وهو مصادمة للشرع واتهام لله ولرسوله أنه لم يكمل الدين ولم يبلغ حق البلاغ وهذا العمل لم يعمل به أكثر الخلق حباً لله ولرسوله وهم الصحابة الكرام ولم يفعله التابعون ولا تابعوهم ولا أصحاب القرون الثلاثة الأولى وإنما ظهرت على أيدي الدولة العبيدية الباطنية الفاطمية وباركها المستعمرون ودعوا إليها وأحيوها وشاركوا فيها وبالمقابل حاربوا العلماء ومن يحيى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كل هذا يدل على أنهم يعلمون أن مثل هذه البدع تبعد الناس عن حقيقة هذا الدين وجوهره ولبه ويجعلهم يتعلقون بمثل هذه الخرافات التي تحرف وتشوه محبة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية القائمة على اتباعه وإقامة شرعه في الأرض كلها والدفاع عن حرمات المسلمين .([3])
7. فصل الدين عن سائر شؤون الحياة وهي ما يعرف بالعلمنة والعلمانية والتي تدعوا إلى إقامة حياة لا علاقة لها بالدين ولا تعترف بحلال ولا حرام ويعيش الناس في ظل هذا النظام كالبهائم ، والله عز وجل قال :]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً[ النساء [65]، وهنا يجب أن أنبه إلى أن بعض المسلمين يصلون ويؤدون الفرائض وعند معاملاتهم الاقتصادية وحياتهم الاجتماعيه لا يراعون لشرع الله حرمة ويقولون العبارة المشهورة (الدين في المسجد ) وهذه حقيقة العلمانية والتي هي ومن اعتقد أن شرع الله لا يحكم في معاملات الناس كفر بالله وبشرعه وبنبيه الكريم .
هذه بعض المظاهر على وجه الاختصار نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يوفقنا وإياهم لسلوك الطريق المستقيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين .